بقلم العلامة السیدعلی الامین
جرى البحث في علم الفقه عن ولاية الفقهاء بعيداً عن السلطة السياسية على الأفراد والجماعات والأنظمة والحكومات وقد تعرّض الفقهاء للبحث عنها في كتبهم وأبحاثهم الفقهية نفياً وإثباتاً في موضوعات الأحوال الشخصية للأشخاص الفاقدين لأهلية إجراء العقود والمعاملات بسبب اختلال بعض الشروط المعتبرة عند العقلاء والشرع في نفوذ معاملاتهم وعقودهم والتزاماتهم كالبلوغ والعقل والرشد فإذا فقد الشخص شرطاً من هذه الشروط أو غيرها مما هو معتبر فقد أصبح هذا الشخص فاقداً لأهلية إجراء المعاملات والعقود ولو أوقع عقداً في هذه الحالة لم يكن نافذاً في حقه ولا تترتب عليه الآثار والإلتزامات ولا يكون مشمولاً لقاعدة نفوذ العقود المسدل عليها عند الفقهاء بقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) فهو شخص مسلوب العبارة على حدّ العبارة الواردة على ألسنة علماء الفقه والأصول. ولذلك يكون الفاقد لها كلاً أو بعضاً، قاصراً يحتاج إلى الولي الذي يتدبّر أموره ويرعى شؤونه وينظر إلى المصلحة في معاملاته وعقوده. وقد جرى البحث عن ولاية الفقيه في إطار الأب والجدّ على الصغير وولاية عدول المؤمنين على الذي فقد الولي كاليتيم وغيره ممن يحتاج إلى من يقوم مقامه في معاملاته الشخصية واقتصرت ولاية الفقيه على هذه الموارد وأشباهها.ولذلك أسس الفقهاء قاعدة فقهية بشأن هذه الولاية استناداً إلى النصوص الشرعية والروايات مفادها أن الفقيه الحاكم: (وليّ من لا وليّ له)، فتكون ولايته متأخرة ـ على تقدير ثبوتها ـ عن ولاية الأبوين ولا تكون ثابتة في الأصل ولا شاملة للشخص الذي يكون ولياً لنفسه وعلى نفسه لاكتمال عناصر شخصيته الحقوقية بتوفر الشروط المعتبرة في نفوذ معاملاته وتصرفاته.
وبهذا المعنى تكون الولاية المشار اليها هي الأقرب إلى عنوان الوصاية ومعناها وليس لها علاقة بالمعنى السياسي للولاية أو السلطة السياسية على الإطلاق.
وقد استمرت ولاية الفقيه على هذا المنوال في عصور عديدة بما في ذلك عصر الأئمة المعصومين عليهم السلام حيث لم تكن لهم الولاية السياسية فكيف يمنحون هذه الولاية التي لم يمارسوها إلى الفقهاء في زمانهم أو بعدهم؟!. وقد استقر الرأي عند معظم الفقهاء وكاد أن يكون إجماعاً منهم على ان الولاية على تقدير ثبوتها للفقهاء فهي بمعنى المرجعية الدينية التي تعني رجوع الناس اليهم في معرفة الأحكام الشرعية باعتبار أنهم من أهل الاختصاص في ذلك وهذا هو المعنى المستفاد من الأحاديث الواردة عن النبي (صلى الله عليه وسلم ) والأئمة (العلماء ورثة الأنبياء) و(مجاري الأمور بيد العلماء الأمناء على الحلال والحرام) وغيرها الكثير من الأحاديث الناظرة إلى دور العلماء في نشر وتبليغ الأحكام الشرعية وتعليمها كما قال أحد كبار المؤسسين والمحققين في علم أصول الفقه الشيخ الأنصاري بعد استعراضه لتلك الروايات:
)والإنصاف بعد ملاحظة سياقها أو صدرها وذيلها يقتضي الجزم بأنها ـ الروايات ـ في مقام بيان وظيفة العلماء والفقهاء من حيث الأحكام الشرعية، لا كونهم كالنبي (ص) والأئمة (ع) في كونهم أولى بالناس في أموالهم) انتهى كلامه.
وقد عبّر عن هذه الرؤية العامة لدى فقهاء الشيعة العلامة المجتهد الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه فقه الإمام الصادق في أواخر القرن الماضي بقوله: (ونحن نعتقد أن المعصوم وحده هو الذي يجب اتباعه في جميع أقواله وأفعاله سواء أكانت من الموضوعات أم من غيرها. أما النائب والوكيل فلا، بداهة أن النائب غير المنوب عنه والوكيل غير الأصيل وليس من الضرورة أن يكون النائب في شيء نائباً في كل شيء، وأيضاً نعتقد أن من قال وادّعى أن للمجتهد العادل كل ما للمعصوم هو واحد من اثنين لا ثالث لهما، إما ذاهل مغفل، وإما يجر النار إلى قرصه ويزعم لنفسه ما خص الله به صفوة الصفوة من خلقه وهم النبي وأهل بيته (ع) وأعوذ بالله من هذه الدعوة وصاحبها). انتهى كلامه.
هذا بحث مختصر عن المنشأ والمستوى العلمي والدور العلمي البعيد عن السياسة لولاية الفقيه من الناحية النظرية عند كبار العلماء والمجتهدين في مختلف العصور التي مرت بها ولكنها على مستوى التطبيق فقد تحولت في عهد الإمام الخميني الى عنوان لنظام سياسي بعد قيادته للثورة الاسلامية ووصوله الى السلطة في إيران وبذلك خرجت مسألة ولايه الفقيه عن كونها مسألة فقهية يجري البحث عنها في كتب الفقه ومعاهد التدريس ومع استمرار النظام محكوماً من قبل الفقيه أصبحت ولاية الفقيه حزباً سياسياً يدعم النظام ويدافع عنه ويدعو الناس إليه ولذلك من يؤيد سياسة النظام المعتمد على ولاية الفقيه يكون من حزب ولاية الفقيه وأنصارها بالمعنى السياسي وان كان لا يعرف معنى ولاية الفقيه أو كان عالماً يرفض ولاية الفقيه من الناحية الفقهية العلمية لأنها قد أصبحت مشروعاً سياسياً قائماً مع غض النظر عن عدم مساعدة الأدلة الشرعية على ثبوتها فلا يكفي أن يقول بعض العلماء أنا لست مع ولاية الفقيه نظرياً وفقهياً ولكنه في نفس الوقت هو مع مشاريع النظام السياسي المعتمد عليها والمنبثق عنها من خلال رؤية فردية للحاكم تحصر الولاية بشخصه مع أنها على تقدير القول بثبوتها فهي ثابتة لجميع الفقهاء.
وعلى كل حال فإن العلاقة بولاية الفقيه أصبحت تعني الارتباط السياسي بالولي الفقيه الحاكم لنظام سياسي معين ولا يقف هذا الارتباط عند حدود العلاقة الروحية والمرجعية الدينية، كما هو الحال بالنسبة لعلاقة المسيحيين بمرجعية الفاتيكان الدينية، ولكن يتعداها الى لزوم الطاعة والانقياد للولي الفقيه في سياساته الداخلية والخارجية وتطلعاته الأخرى الخارجة عن الحدود الجغرافية لنظامه ودولته وتشد هذه الاشكالية وتكبر عندما تعطى ولايته مضمون الأيديولوجيا الدينية العابرة للحدود والأوطان حيث يصبح ارتباط حزب ولاية الفقيه بالولي الفقيه ولاء سياسياً لدولة الفقيه التي لا يحمل الحزب الموالي لها هويتها الوطنية وشخصيتها القانونية وهذا يتنافى مع ولاية الدولة التي ينتمي إليها ولزوم خضوعه لأحكامها وقوانينها وهذا ما يؤدي في نهاية المطاف الى عصيان الدولة والخروج عليها التزاماً بولاية الفقيه القادمة من وراء الحدود. وقد رأينا وشاهدنا نماذج للالتزام بولاية الفقيه العابرة للحدود والأوطان في الأحداث التي وقعت بين حركة أمل وحزب الله في نهاية ثمانينات القرن الماضي في إقليم التفاح والضاحية الجنوبية وقد جاءت بعض القيادات الدينية من إيران يوم ذاك وطلبت مني السكوت عما جرى فسألتها هل أن الولي الفقيه كان يعلم بما جرى ويجري من سفك للدماء أم أنه لا يعلم ذلك؟! فقال لي بأن الأمر قد توقف ولن يتكرر ولكنه قد تكرر بعد ذلك بذرائع متعددة وعناوين مختلفة!.
وقد عبّر عن هذه الرؤية العامة لدى فقهاء الشيعة العلامة المجتهد الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه فقه الإمام الصادق في أواخر القرن الماضي بقوله: (ونحن نعتقد أن المعصوم وحده هو الذي يجب اتباعه في جميع أقواله وأفعاله سواء أكانت من الموضوعات أم من غيرها. أما النائب والوكيل فلا، بداهة أن النائب غير المنوب عنه والوكيل غير الأصيل وليس من الضرورة أن يكون النائب في شيء نائباً في كل شيء، وأيضاً نعتقد أن من قال وادّعى أن للمجتهد العادل كل ما للمعصوم هو واحد من اثنين لا ثالث لهما، إما ذاهل مغفل، وإما يجر النار إلى قرصه ويزعم لنفسه ما خص الله به صفوة الصفوة من خلقه وهم النبي وأهل بيته (ع) وأعوذ بالله من هذه الدعوة وصاحبها). انتهى كلامه.
هذا بحث مختصر عن المنشأ والمستوى العلمي والدور العلمي البعيد عن السياسة لولاية الفقيه من الناحية النظرية عند كبار العلماء والمجتهدين في مختلف العصور التي مرت بها ولكنها على مستوى التطبيق فقد تحولت في عهد الإمام الخميني الى عنوان لنظام سياسي بعد قيادته للثورة الاسلامية ووصوله الى السلطة في إيران وبذلك خرجت مسألة ولايه الفقيه عن كونها مسألة فقهية يجري البحث عنها في كتب الفقه ومعاهد التدريس ومع استمرار النظام محكوماً من قبل الفقيه أصبحت ولاية الفقيه حزباً سياسياً يدعم النظام ويدافع عنه ويدعو الناس إليه ولذلك من يؤيد سياسة النظام المعتمد على ولاية الفقيه يكون من حزب ولاية الفقيه وأنصارها بالمعنى السياسي وان كان لا يعرف معنى ولاية الفقيه أو كان عالماً يرفض ولاية الفقيه من الناحية الفقهية العلمية لأنها قد أصبحت مشروعاً سياسياً قائماً مع غض النظر عن عدم مساعدة الأدلة الشرعية على ثبوتها فلا يكفي أن يقول بعض العلماء أنا لست مع ولاية الفقيه نظرياً وفقهياً ولكنه في نفس الوقت هو مع مشاريع النظام السياسي المعتمد عليها والمنبثق عنها من خلال رؤية فردية للحاكم تحصر الولاية بشخصه مع أنها على تقدير القول بثبوتها فهي ثابتة لجميع الفقهاء.
وعلى كل حال فإن العلاقة بولاية الفقيه أصبحت تعني الارتباط السياسي بالولي الفقيه الحاكم لنظام سياسي معين ولا يقف هذا الارتباط عند حدود العلاقة الروحية والمرجعية الدينية، كما هو الحال بالنسبة لعلاقة المسيحيين بمرجعية الفاتيكان الدينية، ولكن يتعداها الى لزوم الطاعة والانقياد للولي الفقيه في سياساته الداخلية والخارجية وتطلعاته الأخرى الخارجة عن الحدود الجغرافية لنظامه ودولته وتشد هذه الاشكالية وتكبر عندما تعطى ولايته مضمون الأيديولوجيا الدينية العابرة للحدود والأوطان حيث يصبح ارتباط حزب ولاية الفقيه بالولي الفقيه ولاء سياسياً لدولة الفقيه التي لا يحمل الحزب الموالي لها هويتها الوطنية وشخصيتها القانونية وهذا يتنافى مع ولاية الدولة التي ينتمي إليها ولزوم خضوعه لأحكامها وقوانينها وهذا ما يؤدي في نهاية المطاف الى عصيان الدولة والخروج عليها التزاماً بولاية الفقيه القادمة من وراء الحدود. وقد رأينا وشاهدنا نماذج للالتزام بولاية الفقيه العابرة للحدود والأوطان في الأحداث التي وقعت بين حركة أمل وحزب الله في نهاية ثمانينات القرن الماضي في إقليم التفاح والضاحية الجنوبية وقد جاءت بعض القيادات الدينية من إيران يوم ذاك وطلبت مني السكوت عما جرى فسألتها هل أن الولي الفقيه كان يعلم بما جرى ويجري من سفك للدماء أم أنه لا يعلم ذلك؟! فقال لي بأن الأمر قد توقف ولن يتكرر ولكنه قد تكرر بعد ذلك بذرائع متعددة وعناوين مختلفة!.
ومن النماذج التي تحكي لنا عن تأثيرات ولاية الفقيه خارج حدود دولتها حرب تموز وتداعياتها وبعض الأحداث التي جرت في العراق وأخيراً ما جرى في بيروت والجبل والقائمون بهذه الأعمال يعلنون صراحة بأنهم ملتزمون بولاية الفقيه لا يعصون أوامرها ولا يخالفون نواهيها.
فهل ولاية الفقيه أمرتهم بذلك فأطاعوها! أم أنها نهتهم عن ذلك فعصوها!.
وهذه الوقائع والأحداث تكشف لنا أن ولاية الفقيه على مستوى التطبيق هي عنوان آخر لتصدير الثورة الإيرانية التي لم تصل قيادتها بعد الى مرحلة الدولة والمؤسسات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق