نشرة الموجز: ( الدکتور علیرضا نوری زاده)
في مستهل الستينات، حينما کان آية الله العظمی السيد حسين البروجردی المرجع الأعلی للشيعة ليس فی إيران فحسب، بل في العالم بأکمله، قرر شاه إيران الراحل، تنفيذ مشروعه الإصلاحي تحت اسم « الثورة البيضاء » والذی کان يتضمن الإصلاح الزراعي، ومنح النساء حق التصويت والانتخاب، و تشکيل فيلق التعليم وفيلق الصحة، و فيلق الإعمار والزراعة، و إشراک العمال فی أرباح المصانع و ... بعث البروجردي ببرقية إلی الشاه، تضمنت عبارة واحدة، أتمنی أن يتم إرجاء تطبيق مشروعکم الإصلاحي إلی ما بعد رحيلي ... و من المعروف أنّ البروجردي کان يواجه ضغوطاً من قبل رجال الدين المعارضين لإصلاحات الشاه، وفي مقدمتهم السيد روح الله الخميني ) الإمام الخميني فيما بعد ( کي يتخذ موقفاً صريحاً ضد إصلاحات الشاه، غير أنّ الرجل کان يتفق في قلبه مع الإصلاح الزراعي واستمتاع النساء بحقوقهن السياسية والاجتماعية کما کان يرفض بشدة تدخل الدين في السياسة و بالعکس. غير أنّه کان أيضاً کمرجع أعلی، مضطراً إلی أن يتماشی مع توجهات الحوزة وأقطابها، مما أدی به إلی أن يدعو الشاه لإرجاء تنفيذ مشروعه الإصلاحي، إلی ما بعد رحيله، کأنه کان علی علم بأنّ انتقاله إلی جوار ربّه قريب جداً.
توفی المرجع الأعلی بعد بضعة أشهر، فيما أرجأ الشاه مشروعه الإصلاحي إلی ما بعد أربعينية البروجردي احتراماً له. وکما کان متوقعاً فإن آية الله الخميني رفع علم المعارضة ضد إصلاحات الشاه و حصلت مواجهات بين بعض الطلبة في الحوزة و جماعات دينية هنا و هنالک، غير أنّ الحکومة تمکنت من إخماد النار وقمع التمرد. باعتقال الخميني و بعض رجال الدين و نفي الخميني إلی ترکيا و من ثم العراق حيث عاش حتی عودته المظفرة إلی إيران عبر باريس فی فبراير/
شباط، عام ١٩٧٩ الميلادی. لقد ظل اسم البروجردي مرفوعاً في قلوب الإيرانيين کمرجع معتدل وتقدّمي، قاد حرکة إصلاحية مهمة في الحوزة، و بفضل انفتاحه و أفق فکره الواسع، تمکن من تعزيز أواصر الأخوة بين الشيعة والسنة، إذ أنّ شيخ الأزهر آنذاک الشيخ محمود شلتوت أصدر فتواه الشهيرة بطلب البروجردي بالاعتراف بالمذهب الشيعي الاثنی عشر، کأحد المذاهب الإسلامية الشرعية. و کان البروجردي قد أوفد ممثليه إلی مختلف مناطق العالم، و منهم الشيخ محمد تقي القمي الذي أنشأ دارالتقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة، و الإمام موسی الصدر الذي أسس المجلس الإسلامي الشيعي بلبنان و.. بعد أکثر من أربعين عاماً علی رحيله، أثار بروجردي آخر، بآرائه و مواقفه اهتمام الأوساط الشيعية فی إيران و في الخارج.
ففي أوائل القرن الواحد والعشرين، شهدت إيران ظهور رجل دين شيعي شاب نسبياً و يحمل اسم البروجردي ( آية الله محمد حسين کاظميني البروجردي ) والرجل بجاذبيته و کلامه المؤثر وتمسکّه بمبادئ المذهب الشيعي و في مقدمتها الانفتاح، والتعددية وعدم التدخل فی السياسة، تمکن فی وقت قصير من اجتذاب الآلاف من الإيرانيين، لا سيما بين جيل الثورة، أي الشبان الذين کانوا مستائين من ممارسات السلطة الحاکمة باسم الدين. ونظرة إلی محاضراته التي حضرها الآلاف من الشبان، رجالاً و نساءً، تکشف أنه يتمتع بشخصية متميزة و کلام نافذ جداً. و خطبه حول جرائم السلطة الحاکمة ودعواته إلی تطهير المذهب من البِدَع المتناقضة مع أسس الدين الحنيف، و منها ولاية الفقيه التی حسب تعبيره، تعد من أسوأ أساليب الحکم ومن أکثرها تعارضاً مع القيم السماوية التي تؤکد علی حرية الإنسان، بينما ولاية الفقيه، تدعو إلی تبعية من فرض نفسه ولياً علی الناس بقوة السلاح والاستخبارات والحرس، جعلته في مواجهة مباشرة مع السلطة. بحيث بدأ النظام يشعر بخوف وقلق شديد حيال نشاطه الإرشادي. ومنذ أواخر عهد خاتمي، حاولت وزارة الاستخبارات عبر تهديده وترويع أتباعه و تلاميذه، إسکات صوته المتصاعد، وحينما فشلت في ذلک، توسلت بأسلوب آخر، و ذلک بعرض امتيازات مادية ومعنوية هائلة عليه لقاء صمته إزاء ما يدور في البلاد. وحينما زاره أحد عناصر الاستخبارات المعممين، مطالباً إيّاه بالتعاون مع النظام والاستمتاع بما سيکون بانتظاره من اعتراف السلطة به کمرجع مهم، و تخصيص المليارات من الريالات له شهرياً، قام أحد أنصاره بتسجيل المشهد، و سرعان ما تم نشر الشريط فی برنامج « نافذة علی البيت الأبوي » لرئيس تحرير « الموجز » الموجه عبر القناة « روجيه لات » الکردية الفضائية. و ما مضی علی ذلک أکثر من أسابيع حتی واقتحم رجال الأمن بيته في منتصف الليل. و رغم أن أنصاره دافعوا بأيديهم الخاوية عن البروجردي و بيته، فإنّ قوات الأمن تمکنت بعد تدمير البيت واعتقال العشرات من أنصاره، من الوصول إلی آية الله البروجردي و إلقاء القبض عليه.
لقد قضی البروجردي حتی الآن حوالي خمس سنوات فی سجن الولي الفقيه حيث تعرض لأبشع أنواع التعذيب الروحي والجسدي، غير أنّه يواصل مقاومته ببسالة ولا يزال متمسکاً بآرائه و مواقفه الجريئة و في مقدمتها، وجوب فصل الدين عن السياسة و إقامة نظام ديموقراطي علماني، وتطهير المذهب الشيعي من الخرافة والبدع، وعودة رجال الدين إلی مساجدهم ومراکزهم الدينية و...
لقد قرّرت « الموجز »اختياره وجهاً مميزاً للعام الماضي باعتباره الرجل الذي أثبت أنّ الفئة الحاکمة فی إيران، لا صلة لها مع المذهب الشيعي. لقد صادروا المذهب کما سبق أن صادروا الله!
هناك تعليقان (2):
صدقت والله یا دکتور نوری ، لابد من مجی ء شخص کی یکشف عن حقیقة هولاء .
انا احب شخصیة السید بروجردی کما احب الدین النبوی .
کم هذا الموجز رائع ، اتمنی له مستقبل رائع تحت ظل الدکتور نوری و آراء السید بروجردی
إرسال تعليق